مشاكل الشروخ في الخرسانة وطرق معالجتها

يوليو 12, 2025
مشاكل الشروخ في الخرسانة وطرق معالجتها


في صباح يوم صيفي حار، كان المهندس سامر يتفقد مبنى قيد الإنشاء، يسير بين الأعمدة والجدران الخرسانية التي لم يجف لونها بعد. فجأة توقفت عيناه عند خط رفيع يشق سطح جدار جديد. لم يكن سوى شرخ بسيط بالكاد يُرى، لكنه أيقظ في ذهنه عشرات الأسئلة: هل هو مجرد أثر طبيعي لانكماش الخرسانة؟ أم أنه بداية لمشكلة أكبر تهدد متانة المنشأ؟ هكذا هي الشروخ، رسائل صامتة تبعثها الخرسانة، وعلى المهندس أن يعرف كيف يقرأها قبل أن تتحول إلى صرخة تهدد سلامة المبنى.

لقطة مقربة لشرخ رفيع في جدار خرساني


ليست كل الشروخ متشابهة. بعضُها مثل خدش بسيط على سطح زجاج، لا يؤثر كثيرًا على متانته، وبعضُها الآخر يشبه الكسر العميق الذي يكشف عن ضعف داخلي.
في أحد المشاريع الساحلية، ظهرت شروخ طويلة في أعمدة الجسر بعد أشهر قليلة من التشغيل. لم تكن صدفة، فالهواء المشبع بالأملاح بدأ يتسرب عبر هذه الشروخ، ملامسًا حديد التسليح، مسببًا تآكله ببطء. كان الشرخ هنا بمثابة باب مفتوح أمام العدو الأخطر للخرسانة: الصدأ.


الأسباب... حكايات تبدأ قبل الصب

الشروخ لا تولد فجأة، بل تبدأ قصتها منذ المراحل الأولى للمشروع.
أحيانًا، تكون الحكاية مرتبطة بخطأ في التصميم، حين لا يأخذ المهندس في اعتباره قوة تحمل التربة، أو يهمل فواصل التمدد، أو يختار تسليحًا غير كافٍ.
وأحيانًا أخرى، تبدأ المشكلة في موقع العمل، حين يقرر عامل الإسراع في الصب فيخلط كمية ماء أكثر من اللازم لتسهيل التشغيل، غير مدرك أن هذه الخطوة ستؤدي لاحقًا إلى انكماش أكبر وتشقق أسرع.
بل إن الطقس نفسه قد يكون بطل القصة، فصب الخرسانة تحت شمس حارقة أو رياح جافة يجعل السطح يفقد الماء بسرعة، بينما يظل الداخل رطبًا، فتبدأ شبكة من الشروخ الدقيقة بالظهور خلال ساعات.

صب الخرسانة في يوم مشمس وحار

معالجة الشروخ تشبه علاج الجروح في الجسد. يبدأ الأمر بفحص شامل لتحديد عمق الشرخ ومدى خطورته. إذا كان الشرخ سطحيًا وغير نافذ، يمكن الاكتفاء بتنظيفه وملئه بمادة مرنة مثل الإيبوكسي أو البولي يوريثان، ليبقى مغلقًا في وجه الماء والهواء.
لكن إذا كان الشرخ عميقًا ويمتد حتى حديد التسليح، فهنا تبدأ العملية الجراحية: إزالة الخرسانة التالفة، تنظيف الحديد جيدًا، معالجته ضد الصدأ، ثم إعادة صب الخرسانة مع تحسين طريقة الدمك والمعالجة.
وفي الحالات الحرجة، مثل الشروخ الناتجة عن ضعف التصميم أو زيادة الأحمال، قد يلزم تدعيم العنصر بألياف الكربون أو الصفائح الفولاذية، أو حتى إعادة تصميم جزء من الهيكل.

(صورة مقترحة: صورة لعملية حقن شرخ خرساني بمادة الإيبوكسي)

الوقاية... الحكاية التي يجب أن تبدأ قبل البناء

الوقاية من الشروخ ليست رفاهية، بل هي ضرورة اقتصادية وهندسية. فالشرخ الذي يكلف إصلاحه آلاف الدولارات، قد يكون بالإمكان منعه بخطوة بسيطة أثناء التصميم أو التنفيذ.
المهندس الحكيم يعرف أن الخرسانة كائن يتأثر بالبيئة، فيضع فواصل التمدد في أماكنها الصحيحة، ويختار الخلطة المناسبة، ويحرص على معالجة الخرسانة بالماء وحمايتها من أشعة الشمس والرياح. كما يوصي بفحص دوري للمبنى، حتى يتم اكتشاف أي شرخ في بدايته قبل أن يتحول إلى مشكلة معقدة.

صورة  لمبنى خرساني جديد بلا أي شروخ

الشروخ في الخرسانة ليست مجرد خطوط على سطح رمادي، بل هي قصص مكتوبة بلغة الهندسة، لكل منها سبب وبداية ونهاية. قراءة هذه اللغة وفهمها هو ما يميز المهندس الحريص عن غيره، لأن كل شرخ يتم التعامل معه في بدايته هو مبنى أنقذ من مصير قد يكون مكلفًا وخطيرًا.

اسم الكاتب

الكاتب: م. محمد عوض

مهندس إنشاءات وباحث في الهندسة المدنية. يتم تقديم محتوى يتناول مختلف جوانب الهندسة المدنية، مع هدف توفير معلومات قيمة ومفيدة للمهندسين والمختصين في هذا المجال.

مواضيع ذات صلة